تعمل هيئة سوق رأس المال وشركاؤها، بشكل مستمر، من أجل تعزيز الشمول المالي في فلسطين، وقد تمكنت من تحقيق العديد من الإنجازات في سياق الشمول المالي خلال العام 2023، وذلك من خلال استراتيجية ذات أهداف واضحة، وبمشاركة واسعة من الجهات ذات العلاقة، حيث تهدف استراتيجية الشمول المالي إلى وضع الأسس التي تكفل تعزيز وصول واستخدام فئات المجتمع كافة، للخدمات والمنتجات المالية التي تتناسب مع احتياجاتهم، وتحقيق ذلك يتطلب خطة عمل واضحة ومحددة الأبعاد. وفي هذا السياق، وبعد الانتهاء من مرحلة إعادة التقييم خلال العام 2022، وعملاً بتكليف اللجنة الوطنية، عملت اللجنة الفنية على الانتهاء من إعداد الخطة التنفيذية للفترة 2023-2025 المتبقية من عمر الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، وذلك من خلال تقييم الخطة السابقة، ومراجعة سير العمليات فيها، إضافة الى تكليف المجموعات الفرعية المتخصصة، وهي مجموعة تمكين المستهلك، ومجموعة عمل المشاريع الريادية والمتوسطة والصغيرة، ومجموعة الخدمات المالية المبتكرة، بالمباشرة بعقد الاجتماعات اللازمة وجلسات العصف الذهني لغرض إنجاز الخطة التنفيذية التي تستند إلى السياسات التدخلية المعتمدة من اللجنة الوطنية ومخرجات مشروع إعادة التقييم للعام 2022.
تجدر الإشارة إلى أن الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية، خلال هذا العام، واجهت العديد من التحديات المتمثلة بالأزمات الاقتصادية والسياسية في فلسطين التي كان أبرزها حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في الربع الأخير من العام 2023، فعلى الرغم من كل الجهود المبذولة منذ بداية عمر الاستراتيجية وحتى العام 2023 في العمل على إنجاز الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للشمول المالي وتطويرها، فإنها واجهت العديد من التحديات والعقبات خلال العام 2023 التي شكلت عائقاً أمام إنجاز الأنشطة والبرامج الخاصة بالاستراتيجية، وكان أبرزها ما شهده الربع الأخير من العام 2023 من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على أهلنا في قطاع غزة، وكذلك سياسة القتل المتعمد والاعتقال والتنكيل بحق أهلنا في الضفة الغربية، وسياسة الإغلاقات ومنع التنقل بين المدن والمحافظات وهجمات مليشيات المستوطنين على المناطق التي لا تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، كل ذلك سبب حالة من عدم الاستقرار السياسي الذي بدوره أثر بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي في فلسطين، ما أدَّى إلى التأثير على القطاعات الاقتصادية والمالية الفرعية، وبلا شك أثر على تطبيق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي، وعلى تنفيذ الأنشطة والبرامج التي كان من المقرر تنفيذها خلال فترة الحرب، بحيث توقف كثير من المشاريع عن العمل، وتم تجميد أي مشاريع أو مخططات بما يخص الاستراتيجية، وتنفيذ برامج الخطة الجديدة.
كما أن القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على حرية حركة الأفراد في فلسطين لها التأثير الأكبر من خلال منع المواطنين من الوصول إلى الخدمات والمنتجات المالية واستخدامها، وعدم القدرة على حماية حقوق المستهلكين ضمن هذه الظروف، وأيضاً شكلت هذه الأزمة عائقاً أمام استغلال التكنولوجيا المالية لتوسيع نطاق انتشار الخدمات والمنتجات المالية، وهذا، بدوره، يتوقع له أن ينعكس سلباً على الشمول المالي في فلسطين، نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية، واستنزاف الناتج المحلي الإجمالي الناجم عن تراجع الإيرادات وازدياد حجم البطالة، حيث إن الحرب تسببت بفقدان 160-200 ألف عامل مصدر دخلهم، وكذلك أزمة حجز أموال المقاصة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تؤثر على القطاع الحكومي بشكل كامل، والقطاع المالي الفلسطيني ككل، حيث إن مقدرة السلطة الفلسطينية محدودة جداً على مجابهة تداعيات هذه الأزمة.
وعلى الرغم من كل المعيقات والعقبات التي تواجه تطبيق الاستراتيجية بشكل خاص، والشمول المالي بشكل عام، فإنه لا تزال الجهود في الهيئة تتضافر قدر المستطاع للعمل على حصر آثار هذه الحرب على القطاعات التي تشرف عليها. وعلى الرغم من ضبابية المشهد المستقبلي، والأخذ بعين الاعتبار أن الحرب لم تنته بعد، فإن العمل جارٍ على تقييم الوضع الحالي ومحاولة حصر التداعيات التي سببتها الحرب لغرض اتخاذ الخطوات التصحيحية والبناءة في مجال الشمول المالي ضمن الظروف الصعبة التي تمر بها، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات الشريكة والداعمة للاستراتيجية.
أبرز إنجازات الهيئة في سبيل تعزيز الشمول المالي خلال العام 2023:
- احتساب مؤشرات الشمول المالي للقطاع المالي غير المصرفي
تعمل الهيئة على التقييم المستمر للتقدم الحاصل على مخرجات أنشطة الخطة التنفيذية الخاصة بالاستراتيجية الوطنية للشمول المالي 2018-2025، حيث يتم احتساب مؤشرات الشمول المالي الخاصة بالقطاع المالي غير المصرفي وبشكل سنوي، وذلك استناداً إلى مؤشرات دولية معتمدة مع مراعاة السياق المالي الفلسطيني، بحيث تنبثق هذه المؤشرات من ثلاثة أبعاد رئيسية للشمول المالي، وهي الوصول إلى الخدمات والمنتجات المالية، واستخدام هذه المنتجات والخدمات، إضافة إلى الجودة، وتساهم هذه المؤشرات في قياس مستوى الشمول المالي في فلسطين، وتقديم صورة واضحة عنه، ما يتيح الفرصة إلى مقارنة واقع الشمول المالي في فلسطين مع السنوات السابقة من جهة، ومع الدول الأخرى من جهة أخرى. وقد تم خلال الربع الثاني من العام 2023 احتساب مؤشرات الشمول المالي الخاصة بالقطاع المالي غير المصرفي للعام 2022، حيث أظهرت النتائج نمواً واضحاً في مؤشرات الاستخدام والجودة في قطاع التأمين والتأجير التمويلي والأوراق المالية، أما فيما يخص مؤشرات الوصول إلى الخدمات المالية غير المصرفية، فقد كان هناك تراجع بسيط مقارنة بالعام 2021. ولايزال الباب مفتوحاً لتحسين أداء المؤشرات عبر طرح المزيد من الخدمات المستحدثة، واستخدام حلول التكنولوجيا المالية والرقمنة، وهو ما تسعى هيئة سوق رأس المال إلى تعزيزه خلال الفترة القادمة، والشكل التالي أدناه يبين احتساب مؤشرات الشمول المالي للقطاع المالي غير المصرفي لآخر أربعة أعوام ماضية.
مؤشرات الشمول المالي للقطاع المالي غير المصرفي لآخر أربعة أعوام
- اعتماد وإعلان نتائج إعادة تقييم الشمول المالي في فلسطين
اعتمدت اللجنة الوطنية للشمول المالي نتائج ومخرجات مشروع إعادة تقييم الشمول المالي في فلسطين الذي تم تنفيذه خلال العام 2022، وتم الإعلان عن النتائج على المستوى الوطني في فعالية ضمت الهيئة، وسلطة النقد، والشركاء الرئيسيين للاستراتيجية، إضافة إلى ممثلين عن مؤسسة التحالف العالمي للشمول المالي (AFI)؛ الممول الرئيسي لمشروع إعادة التقييم، وممثلين عن الوكالة الألمانية للتنمية (GIZ)، إضافة إلى حضور القيادات المصرفية والمالية والاقتصادية، وممثلي العديد من مؤسسات المجتمع المدني.
وتباعاً لتنفيذ المسح الشامل لجانبي العرض والطلب، إضافة إلى دراسة النظام البيئي (ecosystem) والبيئة الممكنة للشمول المالي في فلسطين، جاءت المخرجات لتبرز تقدماً مهماً في مجال تعزيز الشمول المالي في فلسطين، حيث، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي رافقت تنفيذ الاستراتيجية الوطنية خلال الفترة (2018-2022)، فإن هناك تقدماً في الشمول المالي على مستوى محاوره الثلاثة وهي الوصول، والاستخدام، والجودة، حيث تشير نتائج المسح الشامل إلى تقدم ملحوظ في الوصول والاستخدام للقطاع المالي مقارنةً بنتائج التقييم المنفذ في العام 2016. كما أظهرت النتائج أن نسبة الشمول المالي الآن بلغت 50.9% مقارنةً مع 36.4% في العام 2016، وترتفع النسبة إلى 54.2% عند إضافة نسبة امتلاك المحافظ الإلكترونية التي لم تكن موجودة سابقاً كما هو موضح في الأشكال (1، و2، و3) أدناه، علماً بأن النسبة التي كانت مستهدفة في الاستراتيجية ومخطط الوصول لها هي 50% كحد أدنى مع نهاية العام 2025. كما أظهرت النتائج وجود تقدم ملموس في مستوى الثقافة المالية لدى المواطنين الفلسطينيين مقارنةً بما كانت عليه في العام 2016، فقد ارتفعت نسبة المواطنين الذين لديهم مستوى ثقافة مالية متوسط على الأقل من 41.3% في العام 2016 لتصل إلى 53.3% في العام 2022، ومع هذا التقدم الملحوظ في نسبة الثقافة المالية، فإن الفجوة الجندرية بين الذكور والإناث لا تزال كما هي بفرق 20 نقطة مئوية تقريباً لصالح الذكور.
وفقاً للنتائج الواردة أعلاه، فإنه قد تم تحقيق تقدم ملموس في جانب الوصول والاستخدام للخدمات المالية خلال الفترة 2018-2022.
ونتيجة للخبرات والجهود المتراكمة في الشمول المالي، وتعدد الممارسات والتجارب العملية على المستويين الإقليمي والدولي، وتراكم الخبرات على المستوى المحلي، وتداعيات جائحة كورونا، أصبح هناك فهم أعمق لواقع الشمول المالي وتطورات أدوات قياسه، وذلك بالتزامن مع تطور واستخدام التكنولوجيا المالية في القطاع المالي، وما أحدثته من تغيير في معطيات الشمول المالي، بحيث أصبح غير كافٍ الاستناد إلى مقياس واحد للشمول المالي، بل هناك حاجة إلى استحداث مقاييس أخرى تغطي المحاور المرتبطة به كافة، وهو ما تم العمل عليه في فلسطين منذ العام 2019، إذ تم تطوير واعتماد مقاييس إضافية للشمول المالي من واقع بيانات جانب العرض تغطي المحاور الثلاثة الرئيسية للشمول المالي، وهي الوصول والاستخدام والنوعية، وتم البدء باحتسابها على أساس سنوي منذ العام 2019. ومن الضروري الإشارة إلى أن نتائج هذه المؤشرات تعزز ما تم التوصل إليه من نتائج إعادة تقييم الشمول المالي المنفذ في العام 2022، تحديداً من حيث الوصول والاستخدام.
وفي ظل المعالجات والتحاليل اللاحقة التي تقوم بها اللجنة الفنية للشمول المالي على مخرجات إعادة التقييم في سبيل تعديل وتطوير خطة الشمول المالي لتتناسب والمعطيات والنتائج الحالية، ومنها التعرف على أبرز المحددات التي تحول دون تعزيز الشمول المالي في فلسطين، فقد أشارت معطيات نتائج التقييم إلى أن العامل الاقتصادي كان من أبرز المحددات في فلسطين، وهذا متوقع في ظل الواقع الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني، وانعكاسه على مستوى الوضع المالي للأفراد، لا سيما أن الشمول المالي ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما عامل مهم وضروي يسهم في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي وتعزيز الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لدى الأفراد والأسر. وانعكس ذلك على عمليات بناء وتطوير الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للشمول المالي للفترة المتبقية من عمر الاستراتيجية 2022-2025.
وقد تم نشر كافة المخرجات المتعلقة بمشروع إعادة تقييم الشمول المالي في فلسطين على موقع الهيئة، وموقع الشمول المالي.
- اعتماد ونشر خطة العمل التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للشمول المالي للفترة المتبقية من عمر الاستراتيجية 2023-2025
عملاً بالتكليف الذي أنيطت به اللجنة الفنية للشمول المالي من قبل اللجنة الوطنية بمراجعة الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للشمول المالي تمهيداً لتطويرها وتعديلها بما يتواءم مع مخرجات مرحلة ما بعد إعادة التقييم، عملت اللجنة الفنية، عقب إعلان نتائج إعادة تقييم الشمول المالي، على قراءة ومراجعة وتحليل النتائج الخاصة بمشروع إعادة التقييم، ووضع السياسات التدخلية المقترحة التي تم اعتمادها من قبل اللجنة الوطنية تمهيداً للاستناد إليها في بناء الخطة التنفيذية للمرحلة المتبقية من عمر الاستراتيجية.
وتم خلال العام 2023 تكليف المجموعات الفرعية للشمول المالي بعقد الاجتماعات اللازمة لإنجاز الخطة التنفيذية، مستندة إلى السياسات التدخلية المعتمدة، ومخرجات إعادة التقييم للعام 2022، حيث ركزت مجموعة تمكين المستهلك، وهي المجموعة الأكبر من حيث عدد الأعضاء، في اجتماعاتها الستة، على مناقشة الدراسة التشخيصية الشاملة، وخطة العمل الثلاثية مع وزارة التربية والتعليم، وتقرير النوع الاجتماعي، لتقديم اقتراحات محددة بالأنشطة والبرامج لإثراء الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للشمول المالي. أما مجموعة عمل المشاريع الريادية والمتوسطة والصغيرة، فقد ركزت، في اجتماعاتها الأربعة التي عقدتها، على الدراسة التشخيصية وتقرير النوع الاجتماعي، كما ناقشت العديد من التحديات التي تعترض المشاريع الريادية والناشئة والمتوسطة والصغيرة، وأسهمت في تقديم الحلول للعديد من هذه التحديات على شكل برامج وأنشطة أضيفت إلى الخطة التنفيذية. وعملت مجموعة الخدمات المالية المبتكرة، في اجتماعاتها الأربعة، على مراجعة الدراسة التشخيصية الكاملة، إضافة إلى تقرير الخدمات المالية الرقمية (DFS)، واقتراح الأنشطة والبرامج التي تعزز الوصول واستخدام الخدمات المالية، وتخفض من تكلفتها. وعقب الانتهاء من أعمال مجموعات العمل، واستلام مخرجاتها، قامت رئاسة اللجنة الفنية للشمول المالي بمراجعة الأنشطة والبرامج المقترحة من مجموعات العمل، وتكليف الفرق الفنية في هيئة سوق رأس المال وسلطة النقد بمواءمتها مع السياسات التدخلية المعتمدة، وخطط عمل المؤسسات الرقابية، وقد تم اعتماد الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية بشكلها النهائي من قبل اللجنة الوطنية، وتم نشرها في الربع الأخير من العام على الموقع الإلكتروني للهيئة وموقع الشمول المالي.